منجد أبو شرار - كانت "فادية" بنت الجيران، إذا صَرَخَت باكيةً أو ضاحكةً، استعاذ أهلُ الحيَ بالله من الشيطان الرجيم لِقُبحِ صَوتها، كان جهورًا نعورًا، كَعِقابٍ سَلّطَه الله على عبادٍ ظالمين، ليفزَع الحاج أبو محمود من سكينته قرب حائط المسجد مستذكرا قوله تعالى: "فأخذتهم الصيحة مشرقين* فجعلنا عاليها سافلها"، ينظر حوله وقد تَحَلّقت عَيناهُ فَيأخُذ نَفَسًا عميقًا ويطلق العنان لجسده الثقيل متهاويا على كرسيه.
أَحد الفِتيَة الأشقياء أَطلَق على جارتِنا لَقب "فادية أم شنب"، رُبما كان محقًا! فهي قَوية البُنيَة يَهابها الجميع، لا أحد من أَقرانِها يَجرُؤ على الاقتراب منها، وإلا سَتُبرّحه ضربًا دون أي تَرَدُد، فيما يَقَفُ الآخرين مُتفرجين مُتخذين مَنطقة أمنية عازلة وقد بلغت القلوب الحناجر، وجوهههم مُتَجَهِمة يَحسبون كُل صيحةٍ عَليهم، يَحولُ دون تَدَخُلِهم قتلة مشابهة كالتي حلت بصاحب "براءة اللقب". لا أبشع من أنثى مُتَرَجِلة!
كَبرت "فادية أم شنب" وأصبحت في سن الزواج، تَقدَم لها شابٌ بائس من حارة بعيدة، رث الثياب وكذا الحال، لا يملك إلا غبارًا وفقرًا أخفاهما تحت ثياب استعارها من صديق له، في الحقيقة لم يسبق له أن سمع صوتها! لكنه سَمِع صوت والدها حينما نَفَشَ ريشه في غرفة الضيافة وقال: شوف ياعمي.. بدنا 5 آلاف دينار أردني مهر مقدم، و5 آلاف دينار أردني مهر مؤجل و300 غرام ذهب، وألفين دينار كسوة للعروس، والله يهنيكم! في الأثناء صدرت جَلَبَة مريبة من الغرفة المجاورة، تبين لاحقا أن "أم شنب" سقطت عن الكرسي بينما كانت تحاول أن تمد رأسها خارج الغرفة لتسترق السمع! لله الحمد أنها لم تصب بأذى.
لَملَم الشابُ خيبتهُ وشظايا أمله سريعًا، وَسَلَم على والدها وقد أشاح بوجهه عنه وهو يتمتم: "أبو بربور بِفكر بنته مش طالع شكلها!"، انسحب من المنزل بهدوء سرعان ما بدده صوتا زمجر خلفه تردد صداه في كل المكان، فإذا هي "أم شنب" تُنْكِر على والدها رد عريس الغفلة، بينما أطلق صاحبنا العنان لرجليه هربا وأبو محمود يردد "خَلِلّها يا أبوها خللها"!
0 التعليقات:
إرسال تعليق
التعليقات تعبر عن وجهة نظر أصحابها فقط .